بقلم الشاعر المبدع / معز ماني

إمبراطورية اللّسان الطّويل ...
في المدينة كلّ الناس تنفّسها كلام
والهواء ملوّث بالنميمة ..
والغمز والهمس المبتسم
الشارع يختنق من الحديث
والأطفال يتعلّمون فنّ الإشاعة قبل الحروف ..
هنا في زوايا الشفاه تزرع الغيبة أحلامها
كل كلمة تقال تقصف على الغائب ..
العيون تجسّس الأذان تلتقط
ثم تعيد الكلمات مطبوخة في ألسنة ملتهبة
بالشهوانية بالملل وبالهوس الغير مرئي
الكلّ شاعر بالفبركة ..
والكلّ مؤرخ بالغيب ..
نحن نصنع التاريخ باسم الفضول
ونحن نختبئ خلف الضحكات المتوترة ..
القلوب محلات ذهبية فارغة
تبيع مشاعر الآخرين بأسعار رخيصة
ونحن نجلس على الأرصفة نشرب الشاي الساخن
ونقرأ اليوميات المسروقة للناس
ونسمي ذلك فنّا اجتماعيّا ..
هنا نصبح جميعا تماثيل ضاحكة
نعرض موت الآخرين كعرض أزياء
نختنق بالكلمات نغرق في السخرية
حتى الغيبة نفسها صارت حضارتنا
والنميمة دستورنا ..
والسخرية آخر ما تبقى لنا من إنسانية ..
في المقاهي ..
تجلس العيون لتلاحظ كلّ حركة
واللّسان يكتب أخبار الآخرين في دفتر سريّ
وكلّ ضحكة تحوّل إلى خبر عاجل 
والنسيم نفسه صار مراسلا دائما
يحمل الأقاويل والسرائر .. 
حتى الملائكة في السماء
وضعت سدّادات على آذانها
والشياطين تدوّن على مواقع التواصل
لقد سبقنا البشر في فنون الغيبة ..
وفي النهاية لا يبقى سوى صوت واحد
صوت الغائب الذي لا يسمعنا
ولكننا نضحك عليه بصوت مزدوج
ضحكة للغائب وضحكة لأنفسنا
ونواصل اللّعب بالنميمة كأنها 
لعبة أطفال في حديقة عامة
ثم تدفن كل الشائعات في مقبرة رسميّة
ويكتب على القبور ..
هنا يرقد من تكلّموا عنه كثيرا 
ولم يسمع نفسه يوما ..
والهواء مزيج من الفضول والافتراء 
والابتسامة الزائفة والمدينة تختنق
لكنها تستمرّ في التنفّس بصوت عال
ابتسم فأنت في بلد محترف بالنميمة
هذا يوم جديد ..
لا تنس أن تتنفّس القيل والقال ...
                                  بقلم : معز ماني . تونس .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الشاعر المبدع / د . الشريف حسن ذياب الخطيب

بقلم الأديب المبدع / السيد صاري جلال الدين

بقلم الشاعر المبدع / محمد راتب البطاينة