بقلم الأديب المبدع / د . علوي القاضي

«(6)» فلسفة الصمت «(6)»
     د / : علوي القاضي .
... أخرج البيهقي في الشعب بسندٍ ضعيفٍ ، وصحح أنه موقوفٌ من قول لقمان الحكيم ، حفظ الشيخ : ( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الصمت حكمةٌ ، وقليلٌ فاعله ) 
... شرح الحديث : الصمت يعني : السكوت ، حكمة يعني : وضع للشيء في موضعه ، وقليل فاعله : قليل خبر مقدم ، وفاعله مبتدأ مؤخر يعني أن فاعله قليل ، ولا شك أن الصمت أسلم من الكلام ، لأن المتكلم بين أمرين : إما (مفيد) وإما (ضار) ، هذا هو الغالب ، لكن الصامت سالم ، فالصمت حكمة ، ولكن هذه كما قال المؤلف لا تصح عن النبي عليه الصلاة والسلام ، إنما هي من قول لقمان الحكيم أو غيره أيضاً ، ما ندري هل تصح عن لقمان أم لا ، لأن لقمان الحكيم ذكر الله عنه أشياء في سورة لقمان ، وأعلم أن كل ما ينقل عن الأمم السابقة إذا لم يكن في القرآن أو في صحيح السنة فإنه لا يقبل لأن الله تبارك وتعالى قال : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) ، (لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) : إذن علم الأمم السابقة لابد أن يكون في القرآن أو في السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن لننظر في هذا الكلام هل الصمت حكمة في كل حال ؟! ، لا ، قد يكون الصمت سَفهاً ، بمعنى إذا رأى الإنسان منكراً هل نقول : اسكت ؟! ، لا ، بل نقول : تكلم ، لأن السكوت حينئذ سَفَه ، إذا سئل الإنسان عن مسألة علم يعلمها ويعرفها ، هل نقول أسكت ؟! ، لا ، نقول : السكوت هنا سفه وحرام أيضاً ، ( لأن من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) ، وعلى هذا فليس هذا القول على إطلاقه بل فيه تفصيل ، أما (قليل فاعله) : يعني : قليل من يسلك هذا السبيل وهو السكوت هذا صحيح ، أكثر الناس يحبون الكلام ويتكلمون ، حتى إنك تجد المسألة توضع أو تطرح ويتكلم عنها من ليس من أهل الكلام فيها ، ربما يجي إنسان يقول : والله ماذا تقول في رجل صلى وهو آكل لحم إبلٍ جاهلاً ؟! ، وفي طلبة علم وفي عوام قال لك العامي : ما يضر هذا ما يخالف ، الله يقول في محكم كتابه العظيم يقول : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ، شوف عامي وعنده طلبة علم هذا نقول : الصمت في حقه حكمة والكلام سفه، لكن قليل من يفعل هذا ، أي أن كثيراً من الناس يتكلمون في موضع لا ينبغي أن يتكلموا فيه
... واستكمالا للمعنى (الصمت حكمة وقليل فاعله) ، تعني أن الصمت بحد ذاته فضيلة عظيمة وركن أساسي من أركان الحكمة والإتزان ، لكن القليل من الناس فقط من يتحلّى به ويتمرّن عليه ، بخلاف أهل الثرثرة والكلام الكثير ، فالصمت يمنح المتفكر فرصة لتدبر الأمور بعمق ، وإدراك الحقيقة من الداخل ، كما أن قلة الكلام تحفظ ماء وجه المتحدث ، وتبعده عن عواقب وخيمة ، وتمنحه هيبة ووقارًا في النفوس ، (الصمت حكمة) : يشير هذا الجزء إلى أن الصمت ليس مجرد غياب للكلام ، بل هو ممارسة واعية تتطلب حكمة وتفكرًا عميقًا ، إنه فن لا يعرفه إلا الحكماء ، وهو يمثل فرصة للتأمل والغوص في الذات (وقليل فاعله) : يؤكد هذا الجزء على ندرة من يتقن فن الصمت ويطبقه في حياته اليومية ، فغالبية الناس يفضلون الكلام الكثير ويقعون فريسة له ، مما يفقدهم فرصة التمعن والتأمل
... لذلك يتميز الصمت بأنه يعمل على تنمية الفكر والوعي بأن يجعل صاحبه يتدبر الأمور بعمق ويفهم الحقائق من الداخل ، والحفاظ على الهيبة والوقار ، فالكلمات القليلة قد تزيد من هيبة المتحدث ووقاره ، كذلك النجاة من الأخطاء ، فالكلام الكثير قد يُضعف صاحبه أو يوقعه في مواقف محرجة أو عواقب وخيمة بالإضافة إلى تعزيز القدرة على السمع ، لأنه كلما زاد هدوء الشخص وقل كلامه ، زادت قدرته على الإستماع وفهم الآخرين ، كما يؤدي إلى تطوير الذات لأنه ضروري للتأمل والقراءة والنوم الصحي ، وكلها عادات أساسية لتطوير الذات
... الخلاصة ، الصمت هو لغة الحكماء وفن العظماء ، وهو طريق للرقي الروحي والفهم العميق للحياة، وندرة ممارسيه تؤكد قيمته وفضله الكبير 
... تحياتي ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الشاعر المبدع / د . الشريف حسن ذياب الخطيب

بقلم الأديب المبدع / السيد صاري جلال الدين

بقلم الشاعر المبدع / محمد راتب البطاينة