بقلم الشاعر والأديب المبدع / عماد سالم أبو العطا
النداء الأخير
العالم يحتفل بنهاية العام يُضيئون أنوار الفرح
في حين تقف الخيام الهزيلة عاجزة أمام عواصف الرياح ودموع المطر تغمرهم قطرات السماء التي كان من المفترض أن تحمل معها الحياة
لكنها اليوم تحمل قسوة لا ينجو منها أحد
صغار يحلمون بدفء لا يأتي
ونساء يُخبئن وجوههن عن عيون أطفالهن كي لا يروا الدموع تسيل رجال أنهكتهم الأيام
لا يملكون إلا الصمت لأن الصراخ في وجه المجهول لا يُجدى
هُنا الحكايات تموت قبل أن تُولد
هُنا القلوب تنبض فقط كي لا تموت العالم يحتفل والإنسانية ترقص فوق أنين الخيام تُشيعها في جنازة باردة بلا وداع
المطر هُنا ليس نعمة بل لعنة تجرف الأحلام المُتبقية
كُل خيمة تنحني أمام الريح
كأنها تعتذر لسكانها عن عجزها في مواجهة هذا العالم القاسي
مع كُل إنهيار للخيمة ينهار جُزء من إنسانيتهم
كم تمنوا لو أن أحلامهم تطفو على أمواج الشمس بدلاً من السكون تحت ليل الشتاء الطويل
مُعاناتهم أبعد من كلماتنا وألمهم أعمق من كل الحزن
لكن صبرهُم كزهور لا تذبل في أرض القهر
أنين يُمزق الصمت وذكريات لأيام مضت حين كانت البيوت مأهولة والقلوب مُطمئنة
أما الأطفال فهم القصة الأكثر وجعاً أطفال يبحثون عن آبائهم في كوابيس الليل ليجدوا الصقيع حُضنهم الوحيد
عيون صغيرة غارقة في الدموع
تسأل بلا كلمات
لماذا نحن؟ لماذا هذه الحرب؟
لكن لا إجابة فقط أصوات المدافع والقذائف تملأ الفراغ
تُذكرهم بأن هذا العالم قد اختار الصمت أمام وجعهم
كيف لطفل صغير أن يُدرك معنى الرحيل وهو لم يعش براءة الطفولة؟
كيف لعينيه أن تبقى جافة أمام صور المفقودين؟
كيف لطفل لم يُكمل سنواته أن يفهم معنى الشتات؟
كيف لطفل أن يترك دفء أحلامه في زحمة الركام؟
تساؤلات بلا أجوبة
وأحلام تحترق قبل أن تبدأ
تدمع العيون عند رؤية طفل صغير يحتضن ثوب أبيه الذي لم يعُد
أو فتاة صغيرة تتطلع إلى صورة أمها الغائبة وكأنها تنتظر عودتها
وكأن الأمل ما زال عالقاً في ظلال الماضي
كيف لطفل لم يعرف أباه إلا من صورة أو قطعة ملابس أن يحيا في هذا العالم؟
كيف لطفل أن ينام في حُضن من دون دفء أو أمان
وهو يرى الخيام تنهار وكأنها تُخبره بأنه لا مكان له في هذا العالم؟
كيف لطفل أن يفهم الموت أو الفقد وهو لا يزال يلهو بألعابه البسيطة؟
هُناك تجلس أم في زاوية الخيمة تمسح دموعها بيدين مُتجمدتين
عيناها مكسوتان بالحُزن تنظر إلى صغيرها الذي لا يجد سوى أنفاسها ليشعر بالدفء كأنها تُحاول أن تقول لهُ أصبر يا صغيري فالفرج قريب
لكن قلبها يعلم أن الفرج بعيد والألم أقرب من أي شيء
في كل دعاء تسأل الأم بمرارة
لماذا؟ لكن الجواب غائب كالسُحب السوداء التي تغمر سماءهم البعيدة
لا مأوى يُعيد لهم الأمان
ولا أمان يُعيد لهم البسمة
فقط صمت ثقيل يسكن قلوبهم المُنهكة وأمل يتبدد مع غروب كل شمس
أما الآباء فهم قناديل تحترق لتُضيء دروب أبنائهم
وجوههم صامتة لكنها تحمل أوجاع الزمن
عيونهم مُمتلئة بالأسى وصدورهم تفيض بالخذلان
كيف لرجل أن يرى أطفاله يرتجفون ولا يملك حتى قطعة خشب يُشعلها؟
كيف لهُ أن ينام وهناك دموع صغيرة تستنجد به؟
لكنهم عاجزون محطمون كأشجار اجتثت من جذورها ورميت على الأرض
رغم كل شيء يبقون واقفين
يسحبون الأمل من عتمة اليأس ويزرعون الأمان في قلوب أبنائهم حتى لو كان العالم من حولهم خراباً
لأن الأب وإن كُسر فإن حُبه لأولاده لا ينكسر
أيها العالم إن كنت تسمع فلتسمع هذا النداء
أطفال غزة ليسوا أرقاماً في نشرات الأخبار
بل أرواح صغيرة تبحث عن مأوى ودفء فلا تدع قسوة البرد تُطفئ شعلة الحياة في قلوبهم
ولا تسمح للحرب أن تسرق طفولتهم البريئة
أي وطن هذا الذي يترك أبناءه غُرباء في أرضهم؟
أي حياة تليق بطفل يتمنى أن يتوقف المطر
ليس خوفاً من البرد بل خوفاً من أن يجرف ما تبقى من طفولته؟
إلى السماء نرفع النداء الأخير
أين الرحمة؟
عماد سالم ابوالعطا
تعليقات