بقلم الشاعر والأديب المبدع / عماد سالم أبو العطا

الكرامة المفقودة

في ليلة شديدة السواد مزق هدير القصف سكون الليل
غادر "ابو سليم" و عائلته تاركين وراءهم ذكرياتهم وبيتهم المتواضع 
هرباً من ويلات الحرب
حمل "أبو سليم" ما تبقى من أغراضهم القليلة
ترك منزله الذي كان ملاذة لسنوات طويلة 
متجهاً نحو مخيم اللجوء البعيد
كانت الطريق شاقة وطويلة محفوفة بالمخاطر
سار "ابو سليم" لساعات طويلة حاملاً هموم عائلته وخوفه على مستقبلهم
لم يكن يعلم ما ينتظرهم في المخيم
لكنه كان مصمماً على حمايتهم وتوفير حياة كريمة لهم
وصلوا إلى المخيم
حاملين معهم أحلاماً بالخلاص 
ومستقبل أفضل
لكن سرعان ما اصطدمت أحلامهم بواقع قاس 
كان المخيم مكتظاً بالنازحين
والخيام مزدحمة بالعائلات
لم يجدوا مكاناً مُناسباً للإقامة 

في أحد الأيام
لاحظ "ابو سليم" رجلاً يبيع خيمة جديدة
اقترب منه مُتسائلاً عن الثمن
فأجابه الرجل ببرود: "الف دولار" صعق "أبو سليم" من هذا السعر 
فكان قد خصص كل أمواله لشراء الطعام فقط
حاول "ابو سليم" الشرح للرجل أنه لا يملك المال
وأنه بحاجة ماسة إلى خيمة لعائلته لكن الرجل رفض الاستماع إليه
وطرده من المكان
شعر "أبو سليم" بالإهانة و الإحباط فكيف يُباع مأوى للبشر كأنها سلعة ؟
كيف تُفقد الكرامة الإنسانية حتى في أحلك الظروف؟
لم يستسلم "أبو سليم" لليأس
فقرر البحث عن حل آخر
تذكر مهاراته في صناعة الخيام التي تعلمها من والده
جمع "أبو سليم" بعض المواد المتوفرة في المخيم
وبدأ العمل بصبر ومُثابرة

بعد أيام قليلة تمكن من صُنع خيمة صغيرة لعائلته
مع مرور الوقت بدأت مشاعر اليأس والإحباط تتسلل إلى قلوبهم
بفقدانهم منازلهم وممتلكاتهم
اضطروا للعيش في ظروف صعبة
وغير إنسانية
حينما شعروا بالإهانة وفقدان الكرامة
حيث واجهوا ظروفاً معيشية صعبة لا تليق بالإنسانية
فمع كل خطوة ازدادت معاناتهم
لم تكن أصعبها نقص الغذاء والدواء
بل الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي فاق قُدرتهم على الشراء
باتت أبسط الحاجيات رفاهية 
لا تُمكنهم من الوصول إليها
فثمن الطعام قد تضاعف
وأسعار الملابس قد ارتفعت بشكل مهول
ناهيك عن تكاليف الدواء 
افتقروا لأبسط مقومات الحياة الكريمة من ماء صالح للشرب وخدمات طبية مُناسبة 
شعروا بالإهانة وفقدان الكرامة اضطروا للعيش في مخيمات مكتظة تفتقر إلى أدنى معايير النظافة والصحة
تحولت المخيمات إلى مقابر للأمل حيث تُزهق الأرواح دون قيمة
وتُطفأ عيون الأطفال بظلام الخوف بدلاً من بريق الأمل
بينما تُصبح رحلة البحث عن لقمة العيش صراعاً يومياً للبقاء
حيث يضطر الكثيرون إلى الوقوف لساعات طويلة في طوابير لا تنتهي
ينتظرون دورهم في الحصول على لقمة تسد رمقهم
فتصبح الأرواح بلا قيمة حقيقية
لا مكان للحب أو الرحمة
فقط صراع من أجل البقاء
هل هذا هو مصير الإنسانية؟

عماد سالم ابوالعطا


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الشاعرة المبدعة / هالة خالد بلبوص

بقلم الشاعر المبدع / محمد راتب البطاينة

بقلم الشاعر المبدع / على المحمد