بقلم الشاعر والأديب المبدع / أ. عماد سالم ابو العطا
أنا في حلم ولا في علم؟
في لحظة واحدة انقلبت حياتنا جحيم
قنبلة حارقة مزقت هدوء منزلنا
خلفت وراءها شُعلة هائلة تلتهم كل شيء في طريقها
اختلط الدخان بالسماء
وأصبح الهواء كثيفاً وخانقاً
أرى أبي وأمي يرتميان على الأرض وأسمع صراخهما المُفجع
أُحاول الهروب
لكن النيران تُحاصرنى من كل جانب سعال متواصل
وخوف يملأ روحي
وحرارة تلتهم جسدي
أغمضت عيني واستغثت بالله
باحثاً عن بصيص أمل
فجأة أسمع صوتاً يُناديني
أفتح عيني فأرى رجلاً يمسكني بيدي ويُخرجني من المنزل المُشتعل
سقطت مغمياً علي من شدة الخوف والإرهاق
وعندما استيقظت
وجدت نفسي في المستشفى
أسأل عن أبي وأمي
لكن لا أحد يُجيبني
أُغمض عيني وأُفقد الوعي
صراخ، نار، ضياع، وفقدان
هل كان هذا مجرد حلم؟
فتحت عيني ببطء
وجدت نفسي في سرير أبيض ناصع
أشعر بدوار خفيف
وألم في رأسي
أحاول تذكر ما حدث
لكن ذاكرتي شبه ضبابية
فجأة أرى وجه طبيب يطل علي
بابتسامة حنونة
يمسك بيدي ويسألني
كيف حالك يا بني؟
أُحاول التكلم
لكن صوتي لا يخرج
أنظر حولي
فلا أرى أحداً من عائلتي
أُسأل الطبيب برعب أين أبي وأمي؟
يُجيبني الطبيب بصوت هادئ
لا تقلق يا بني
هُما بخير الآن
لقد تم نقلهما إلى غرفة أخرى للعلاج
لكن شعوراً بالقلق والارتباك يُسيطر علي
أسأل الطبيب مرة أخرى
هل كل هذا حقيقي؟
أم أنا في حلم؟
يبتسم الطبيب ويقول
لا تُفكر في ذلك الآن
المهم هو أنك بخير ستشفى قريباً وتعود إلى عائلتك
لكن كلماته لم تُهدئ من خوفى
بل زادت من فوضى مشاعري
أدركتُ حينها أن الطبيب يُخفي عني شيئاً ما
وأن الحقيقة أشد قسوة مما توقعت
وقفت أمام غرفة العلاج مُنتظراً
يملأني قلق لا مثيل له
مرت الساعات كأنها دهور
وفجأة انفتح الباب
وخرجت الممرضة
عيناها دامعتان
اقتربت منها بلهفة
وسألتها ما أخبارُهما ؟
ابتسمت ابتسامة حزينة
وقالت لقد تم إنقاذُهما
لكن ... للأسف... مات الوالدان
وقعت على الأرض وفقدت الوعي من شدة الصدمة
أُغمض عيني مرة أخرى
وأغوص في نوم عميق
أرى في المنام أبي وأمي يُحيطان بي بحُب وحنان
يُخبرنى أن كل شيء سيكون بخير وأننا سنعود إلى منزلنا ونعيش بسعادة من جديد
أفتح عيني ببطء وأرى وجه أمي يطل علي بابتسامة دافئة
تُقبل جبهتي وتقول
لقد استيقظت أخيراً يا حبيبي
أُدركت حينها أن كل ما حدث كان حقيقيا
لقد فقدت منزلي
وكدت أفقد حياتي
لكن الله أنقذني
أُغمض عيني مرة أخرى
وأُسلم نفسي للنوم
لم أستيقظ إلا بعد ساعات طويلة
وأنا في سرير المستشفى
كانت الممرضة جالسة بجانبي تُواسيني وتُؤكد لي أنني بخير
نهضت بصعوبة
شعرت بثقل هائل يضغط على صدري
فقدت عائلتي في لحظة واحدة
ولم أعد أدري كيف سأستمر في الحياة دونهم
غرقت في بحر من الحزن والأسى
لم أعد أهتم بشيء
وفقدت كل رغبة في الحياة
لكن مع مرور الوقت
بدأت أُدرك أنني لا أستطيع أن أستسلم للحزن
كان لابد أن أكون قوياً من أجل والدي
وأن أُكمل حياتي باسمهما
نهضت من جديد
وبدأت أُواجه الحياة بكل ما لدي من قوة
لم أكُن أنسى والدي أبداً
لكنني عرفت أنني لا أستطيع أن أعيش في الماضي
عماد سالم ابوالعطا
تعليقات