بقلم المفكر والأديب / د . علوى القاضى
«(:)»مجالس القاضى الرمضانية«(:)»
المجلس الحادى عشر
إدارة : د/علوى القاضى.
... حضر المجلس ، وقد إستشاط غضبا وانتفخت أوداجه ، واحمرت عيناه ، ولما سألته ، أبلغنى أنه شاهد عملا دراميا عربيا يسخر من أم طفل شهيد من غزة
... وبعد حمد الله ، والثناء عليه بإسمه الجبار ، والصلاة والسلام على نبيه ، وبتوفيق من الله ، وتوحيد القصد لله بدأت الدرس
... أيها الأحباب : (السخرية) من الناس محرمة شرعا ، لأنها تُورث الضغائن والأحقاد والقطيعة والتدابر بين الناس ، قال تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَايَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَانِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَاتَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَاتَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ، والسخرية أو الإستهزاء فيهما غرورٌ وكبرٌ ، لأن الساخر يشعر أنه أفضل من غيره ، وإنتشرت مجالس (السخرية والإستهزاء) ، بين الشباب ، بهدف الضحك ، والضحية من الأفراد المؤدبين ، وقليلي الحجة والبيان ، ونهايتها الغضب أوسيل من الشتائم ، وهى سلوك مذموم ، فإحذر من الإستهزاء بالناس ، ولاتحقرن أخاك المسلم ، لافي خلقته ، ولافي ثيابه ، ولافي كلامه ، فعليك أن تحترمه وتوقره ، لأن السخرية والإستهزاء تقطع الروابط الإجتماعية والأخوة والتواد والتراحم ، وتبذر بذور العداوة والبغضاء ، وتورث الأحقاد والضغائن ، وهى ظاهرة سلبية ، وتتمثل في محاكاة أقوال الناس ، أوأفعالهم ، أوصفاتهم ، والتقليل من شأنهم ، أوالطعن في كرامتهم قال تعالى (مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
... فلاتسخر من المبتلى في بيته وتقول (ضعيف الشخصية) ف (نوح) كانت زوجته عاصية ، ولكنه كان عند الله صفيا ، ولاتسخر من المنبوذ من قومه وتقول (عديم القيمة) ف (إبراهيم) كان منبوذا في قومه ، ولكنه كان خليل الله ، ولاتسخر من السجين وتقول (ظالم مجرم) ف (يوسف) كان سجينا ، ولكنه كان عند الله صديقا ، ولاتسخر من المفلس بعد غناه وتقول (سفيه فاشل) ف (أيوب) أفلس بعد غناه ولكنه كان عند الله نبيا ، ولاتسخر من الغافل وتقول (مذنب مقصر) ف (يونس) غفل عن ذكره ربه طرفة عين ، ولكنه كان عند الله رسولا ، ولاتسخر من وضيع المهنة وتقول (قليل شأن) ف (لقمان) كان نجارا أوخياطا أوراعيا ، ولكنه كان عند الله حكيما ، ولاتسخر من الذي يذكره الناس بسوء وتقول (موضع شبهة) ف (محمد) قيل عنه ساحر ومجنون ولكنه كان حبيب الله ، ولاتسخر من المبتلى فى إبنه أوماله أونفسه وتقول أن (الله غاضب عليه) ف (ايوب) و (إبراهيم) كانا مبتلين ولكنهما عند الله أنبياء ، فلا تسخر وأحسن الظن في الآخرين ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إيَّاكُم ومحقَّراتِ الذُّنوبِ فإنَّهنَّ يجتمِعنَ على الرَّجلِ حتَّى يُهلِكنَهُ)
... (التنمر) يعتبر صورة من صور السخرية والإستهزاء ، في العمل والمدرسة وغيرها من مواقع التواصل ، وأصبح التنمر منتشرا ، وعلى أشياء تافهة ، ويظهر فى السخرية من الصديق أوالزميل في المجتمع ، وهذا يدل على ضعف شخصية المتنمر ، وجهله ، وعدم إحترامه لغيره ، وعدم وعيه بتصرفاته ، فلوكان مثقفا وذو معرفة لامتلك القدرة على التعاطف مع الٱخرين ، وجنب غيره من الأزمات النفسية ، لذلك يجب زيادة الوعي والمعرفة وغرس الثقة فى الأطفال ، وحثهم على دعم أصدقائهم الذين يتعرضون للتنمر
... و(المزاح) يختلف عن (السخرية) و (الإستهزاء) و (التنمر) ، فهو مباح ولكن بشروط ، فلاتمزح فى مظهر شخص ، أووزنه ، أوطوله ، أوملامح وجهه ، أوصحته ، أوإعاقته ، أومرضه ، أوعائلته ، أودخله ، أوخطاياه ، أوأخطائه أوفشله ، ولايجوز أن يكون المزاح ذريعة وسبب للسخرية وإيذاء واحتقار الآخرين
... وهذا ماحدث بالضبط في العمل الدرامى (لانش بوكس) الذى سخر من الأم الفلسطينية الثكلى المكلومة فى الحلقة السادسة منه ، دخلت الممثلة تسأل عن شخص في المحل وقالت بالظبط (لو سمحت أنا كنت جاية أسأل على حد بيشتغل عندكم هنا اسمه يوسف أو ياسين أشقر كده ، وكيرلى ، وحليوة) ، بيسخروا من الڤيديو الشهير لأختنا في غزه رغم هول الكارثة ، وكمان بتضحك ، بغرض السخرية والإستهزاء والتنمر دون مراعاة لمشاعر المشاهدين ، الحوار قمة اللاإنسانية ، لأنهم يتاجرون بٱلام الناس ويرقصون على جراح الٱخرين ، هذا المسلسل مقصود ليهين أهلنا الفلسطينيين الأبطال وهذا يدل على سيطرة الأمريكان الصهاينه على الإعلام العربي إلا من رحم ربي ، ويلحق الخزي والعار بكل من يروج للتطبيع مع أعداء الأمة العربية ، الحوار ، كان فى قمة القسوة والحجود
... إعادة جملة أم الشهيد في مشهد عبثي داخل المسلسل على سبيل المزاح وخفة الدم والهزار والتهريج ، يعتبر عمل وقح ، المفروض يعرفوا إن دم الشهيد في غزة ليس برخيص زيهم ، إستخدام نفس الجملة في سياق كوميدي ، لاتتصوروا ردة الفعل ، وماأثير على مواقع التواصل ، إعتبرناه سخرية من آلام وجراح الفلسطينيين ، للاسف يعلمون أن هذا الطفل أستشهد في قصف على غزه ، وتعرف والديه على جثمانه في مشهد مأساوي ، أنا مش قادر أنسى المشهدين ، معقول القسوة واللاإنسانية تصل للسخرية من طفل إستشهد فى حرب الإبادة ، ماذا تركوا للصهاينة ؟! ، وإستغلال كلمات الأم المكلومة الثكلى ، يعتبر إهانة للقضية وللشعب الفلسطينى العظيم ، لأن يوسف أستشهد برصاص الصهاينة ، ونسوا أن أمه بحثت عنه بكل حرقة وقلبها بينفطر على إبنها وسط الشهداء وبين الجثث ، هو دة المشهد اللي أحزن العالم ، ثم يتناولوه بالشكل الضاحك والساخر والتريقة ، منذ متى وصرخات المعذبين إيفيهات في المسلسلات ؟! ، ولماذا تبلدت مشاعرنا بالشكل ده ؟! ، هل هذا فصام فى الشخصية ، عشان تحطها في حوار مسلسل هزلي تافه ؟!
... اللهم أغفر لنا وأرحمنا ولاتحاسبنا بمافعل السفهاء منا
... تحياتى ...
تعليقات