بقلم المفكر والأديب / علوى القاضى
!!,,ثقافة التعفف وحفظ ماء الوجه،،!!
بقلمى : د/علوى القاضى.
[ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ] .صدق الله العظيم
... لقد أتعبت من بعدك ياعمر
... أرسل الخليفه عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين رساله نصها :
. . من : الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى : الحسن البصري سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، أما بعد :
* إجمع لي بإيجاز بين أمري الدنيا والآخرة *
... فكتب الحسن البصري :
. . " إنما الدنياحلم ، والآخرة يقظة ، والموت متوسط ، ونحن في أضغاث أحلام ، من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر ، ومن نظر فى العواقب نجا ، ومن أطاع هواه ضل ، ومن حلم غنم ، ومن خاف سلم "
... أخى الكريم : مابين حلم الدنيا ويقظة الٱخرة ومابينهما الموت كمرحلة انتقالية لابد وأن نكون دائما فى ورد المحاسبة حتى ننجوا من العواقب ولانخسر الدنيا والٱخرة ولانبيع ٱخرتنا بدنيانا
... أخى الكريم : إن لم تخضع جوارحك كلها لله وتشعر بأخيك قبل أن يشعرك بحاله ، فأنت بعيد عن الناس ، بعيد عن الله ، بعيد عن الجنة ، قريب من النار ، ف اتق الله فى إخوانك وكن فى حاجتهم قبل أن يطلبوها فمنكم ذوى الحاجة المتعففون الذين لايهرقون ماء وجوههم ويحفظوا أنفسهم من مذلة السؤال
... واقرأ صمت أخيك فلعل عزة نفسه أسكتته
... دخل رجلٌ على مجلس أحد الحكماء ، فجلس يستمع إليه وهو يُعلّم تلامذته ، ولا يبدو عليه أنه طالب علم ، ولكنه بدا من مظهره كأنه عزيزُ قومٍ ذلّ !
... دخل وسلّم ، وجلس ، وأخذ يستمع للحكيم بأدبٍ وإنصات وفي يده قارورةُ فيها ما يشبه الماء
... وبفراسة الحكيم قطع حديثه ، والتفت إلى الرجل ، وتفرّس في وجهه ، ثم سأله :
. . ألك حاجةٌ نقضيها لك ؟!
. . أم لك سؤال فنجيبك ؟!
... فقال الضيف :
. . لاهذا ولاذاك ، وإنما أنا تاجر ، سمعتُ عن علمك وخُلُقك ومروءتك ، فجئتُ أبيعك هذه القارورةَ التي أقسمتُ ألّا أبيعَها إلا لمن يقدّر قيمتها ، وأنت ( دون ريبٍ ) حقيقٌ بها وجدير
... قال الحكيم :
. . ناولنيها ، فناوله إياها ، فأخذ الحكيم يتأملها ويهز رأسه إعجاباً بها ، ثم التفت إلى الضيف وقال له : بكم تبيعها ؟
... قال الرجل : بمائة دينار
... فرد عليه الحكيم : هذا قليل عليها ، سأعطيك مائةً وخمسين !
... فقال الضيف : بل مائةٌ كاملةٌ لاتزيد ولا تنقص
... فقال الشيخ لإبنه : ادخل عند أمك وأحضر منها مائةَ دينار
... وفعلاً استلم الضيف المبلغ ، ومضى في حال سبيله حامداً شاكراً ، ثم انفضَّ المجلسُ وخرج الحاضرون ، وجميعهم متعجبون من هذا الماء الذي اشتراه الحكيم بمئة دينار !
... وبعد أن دخل الحكيم لينام ، دعا الفضول ولده إلى فحص القارورة ومعرفةِ ما فيها ، حتى تأكد أنه ماءٌ عاديّ ! ، فدخل إلى والده مندهشاً : ياحكيم الحكماء ، لقد خدعك الغريب ، فوالله ما زاد على أن باعك ماءًا عادياً بمائة دينار ، ولاأدري أأعجبُ من دهائه وخبثه ، أم من طيبتك وتسرعك ؟!
... فابتسم الحكيم ضاحكاً ، وقال لولده : يابني لقد نظرتَ ببصرك فرأيتَه ماءً عاديّاً ، أما أنا ، فقد نظرتُ ببصيرتي وخبرتي فرأيتُ الرجل جاء يحمل في القارورة ماءَ وجهه الذي أبَتْ عليه عزَّةُ نفسه أن يُريقَه أمام الحاضرين بالتذلُّل والسؤال
. . يابني كانت له حاجةٌ إلى مبلغٍ يقضي به حاجته لا يريد أكثر منه ، الحمد لله الذي وفقني لإجابته وفَهْم مراده وحِفْظِ ماء وجهه أمام الحاضرين
. . يابني لوأقسمتُ ألفَ مرّةٍ أنّ مادفعتُه له فيه لقليل ، لما حَنَثْتُ في يميني
. . يابني إن استطعتَ أن تفهم حاجةَ أخيك قبل أن يتكلم بها فافعل ، فذلك هو الأجملُ والأمثل
. . يابني تفقَّدْ على الدوام أهلك وجيرانك وأحبابك ، فربما هم في ضيقٍ وحاجةٍ وعَوَزٍ ، ولكن الحياء والعفاف وحفظَهم لماء وجوههم قد منعهم من مذلة السؤال !
. . يابنى إقرأ حاجتهم قبل أن يتكلموا
... يروى أن أعرابيا ( شاعرا ) كان شديد الفقير وكان يسكن بجوار الحسن بن على رضى الله عنهما ، فقالت له زوجته إذهب للحسن فإنه كريم ٱل البيت ولايرد سائلا ، فقال لها أخجل من ذلك فقالت له : إن لم تذهب أنت ذهبت أنا
... وعدها أن يكتب له رسالة حفظا لماء وجهه , وكتب له رسالة من بيتين من الشعر قال فيها :
. لم يبق عندى مايباع ويشترى ،،، يكفيك رؤية مظهرى عن مخبرى
. إلا بقية ماء وجه صنته ،،، عن أن يباع وقد وجدتك مشترى
... فقرأها الحسن بن على رضى الله عنهما فبكى ثم جمع ماعنده من مال وأرسله إليه وكتب له :
. عاجلتنا فأتاك عاجل برنا ،،، طلا ولو أمهلتنا لم نقصر
. فخذ القليل وكن كأنك لم تبع ،،، ماصنته وكأننا لم نشتر
... أحبابى ماأجملَ قولَ القائل : إذا لم تستطع أن تقرأ صمْتَ أخيك ، فلن تستطيع أن تسمع كلامه
... وصدق من قال :
. إذا قلَّ ماءُ الوجهِ قلَّ حياؤهُ فلا خيرَ في وجهٍ إذا قلَّ ماؤهُ
. حياءَك فاحفظْه عليك فإنَّما يدلُّ على فضلِ الكريمِ حياؤهُ
... تحياتي ...
تعليقات