بقلم الشاعر المبدع / الشاعر الأمي شرف الدين

بين مشرط الجراح ونبض الهوى
بقلم الشاعر الأمي شرف الدين
كانت الرياح الباردة تتسلل من شرفة المنزل، وأنا أستند إلى الحائط، أراقب الشارع المضاء بأضواء البرّادات.
قلبي يثقلني، كأن كل خطوة ستكسرني، وكل صمت يصرخ بداخلي.
قررت أن أتحرك قليلاً، أمشي في الممرات الداخلية للحي، أسترجع أنفاسي، أبحث عن شيء لا أعرفه، شيء أشبه بالطمأنينة.
وبينما أسير بلا هدف، شعرت فجأة بدوار قوي، تنهال عليّ أمواج الغيبوبة، وسقطت أرضًا، وأحاط بي الظلام…
صحوت على صوت الطبيب بجانبي، صوته ثابت لكنه يثير الرهبة:
— “حالتك مستقرة… لكن العملية ضرورية، الكلية بحاجة إلى التدخل.”
همستُ:
— “هل هي خطيرة؟”
ابتسم وقال:
— “ليست مسألة خطورة، لكنها دقيقة. ستدخل غرفة العمليات بعد قليل، حاول أن تهدأ.”
تسمرّت يداه على كتفي للحظة، كما لو كان يحاول نقل الثقة، ثم أضاف:
— “ستبقى تحت المراقبة بعد العملية بضعة أيام، والممرضة ستكون هنا لخدمتك.”
دخلت غرفة العمليات، الأضواء البيضاء تلسع العينين، أصوات الأجهزة والأدوات تعلو من حولي، وكل شيء أصبح غامضًا ومشتتًا.
استسلمت للتخدير، لأجد نفسي بعد ذلك على ضوء أبيض…
لكن هذه المرة، هناك شيء مختلف.
سمعتها… الممرضة، الصوت ينساب كأنه شعر:
يا قلبُ لا تذهلْ عند الألمِ
فأنا هنا أراقبُك وأحلمُ
كل نبضةٍ تمرُّ بين يدي
كل ألمٍ يخففُهُ مسامري
أنتَ تستيقظُ وأنا هنا
أراقبك بلا كللٍ أو ملام
فهدئ قلبكَ… فالليل طويل
وأنا أقرأُ في عينيكَ الأحلام
لم أعِر لها انتباهًا، كنتُ مشغولًا بالوجع والخوف، أتنفس بصعوبة، أراقب شاشات الأجهزة التي تعدّل نبضي.
مرت ساعات، ثم جاءت الزيارة: أساتذة، أدباء، شعراء… وجوه مألوفة وأخرى غريبة، كل منهم يحييني بابتسامات واهتمامات.
بعد رحيلهم، اقتربت الممرضة من سريري، قالت بابتسامة تمزج الدهشة بالمغازلة:
— “أنت كاتب؟”
قلتُ بصوت خافت:
— “كنت… وأفكر إذا كنت سأعود إلى الكتابة بعد كل هذا.”
هزّت رأسها ثم قالت: 
— “قلبي يعرف الجواب… والآن لنرى ماذا يفعل قلبك المحطم في مواجهة الشعر.”
وهكذا بدأت معركة الحرف، ست جولات، كل جولة ثمانية أبيات لكل منا، مع حوارات بين كل شعرين:

قالت:
يا من يسكن قلبي بلا إذنٍ مني
كيف يجرؤ قلبك على الهرب مني
أنت الغريب الذي يخفف وجعي
ويزيد قلبي ألمًا في المدى المرهف
أرى في عينيك نار الهوى مشتعل
وكيف لي أن أصمد أمامك أيها الغريب
قلبي بين يديك كطفلٍ تائهٍ
فهل تحن إليه أم تهجره مجددًا
قلت:
مهلًا، فقلبي ليس ملكًا لأحد
حتى أنتِ يا من تبدين كالنجوم
أخاف الحب كما يخاف المفقود
وأخشى أن تعيد النار في صدري المظلوم
كنت أعيش على رماد الماضي
وها هو اليوم يشتعل بلا توقّف
يا امرأةً تهمس في أذن قلبي
هل تملكين المفتاح أم مجرد لعبة الظلّ

*ضحكت بخفة: “هارب… لكنك لا تستطيع الهرب من العيون.”
قلت: “وأنتِ… خطيرة كالنار.”

قالت:
إن كنت تخشى الوقوع في الحب مرة ثانية
فاعلم أن قلبي لن ينتظر طويلاً
أنت رجل مطلق… والجرح عميق
لكن في عينيك أرى رغبة مشتعلة
قد تهرب، وقد تعود… لا فرق
فالهوى أقوى من كل التحفظات
أهديك قلبي، لكن احذر
فكل خطوة تقربك هي امتحان للقلب
قلت:
أخشى أن أقع مرة أخرى
فقلبي ما زال يحمل خيباته
لكنكِ مثل الغيم في صيفي
تأتي بالمطر، وتزيد قلبي عصفه
لو أعطيتك قلبي بلا حذر
قد يُقتل مرة أخرى بين يديك
أهرب، وأعود، وأغلق أبواب الهوى
لكن شغفك يجرّني بلا رحمة

-ابتسمت: “لن تهرب، سأجدك أينما حاولت الاختفاء.”
قلت: “وأنا سأحاول، حتى لو كلفني كل نبضة في صدري.”

قالت:
أراك تهرب، وأشعر بخوفك من الحب
لكن قلبي لن يتركك تهرب بلا حساب
أنت رجل مكسور، لكنك جذاب
أرى في عينيك كل الألم والاشتياق
كل خطوة تخافها تقربك مني
وكل كلمة تحاول مقاومتها تزيد الشغف
هل ترى؟ حتى خوفك جاذبية
ولا مفر، أنا هنا لأجعلك تبقى
قلت:
أعرف أن كل خطوة تقربني منك
هي تقتلني وتحييني في نفس الوقت
قلبي يختبئ وراء جدار من الماضي
وكل مرة أنظر إليك أرتجف
لكنك تزدادين سحرًا، وأنا أهرب
أحاول الصمود، لكن روحي تتنازل
إذا اقتربت منك، سأخسر نفسي
وأنا لا أريد أن أموت في الحب مرة ثانية

قالت: “هكذا هو الحب، لا أحد يهرب منه.”
قلت: “لكنني رجل مكسور، والجرح ما زال ينزف.”

قالت:
مهما حاولت الهرب، سأكون خلفك
حتى لو كان قلبك كسيرًا أو مترددًا
أنا امرأة لا تعرف التراجع
قلبي لن يسمح لك بالاختباء
كل كلمة تقولها، كل نظرة، كل همسة
هي اختبار لعشقك وخوفك
هل أنت مستعد أن تُعطي قلبك؟
أم ستظل تهرب كما كنت تفعل دومًا
قلت:
أعرف أنك ستلاحقين قلبي
حتى لو حاولت الاختباء في الصمت
كل همسة منك تضغط على جرحي
وتجعلني أرغب في الاقتراب والابتعاد
أهرب… خوفًا من أن أموت مرة أخرى
أغازلك… خوفًا من أن أذوب
قلبي محطم، لكنه يحاول البقاء
لكن حضورك يشعل كل شيء داخلي

ابتسمت: “لن تستطيع الصمود طويلاً.”
قلت: “ربما… لكنني سأحاول حتى النهاية.”
قالت:
كل مرة تهرب فيها، أقترب أكثر
كل خوف في قلبك يزيدني شغفًا
أنت رجل مطلق، لكنني أراك ملكًا لي
حتى لو رفضت ذلك، ستأتي إليّ
قلبي يدعوك، وعيوني لا تكذب
كل نبضة في صدرك تقول الحقيقة
أنت تخاف الحب، لكنك تحبه
وهذا ما يجعلنا نلتقي هنا اليوم
قلت:
أعرف، أخاف، لكنني لا أستطيع المقاومة
قلبي يصرخ، وعقلي يحاول الفرار
كل خطوة منك تشعلني، وكل ابتسامة تزيدني حيرة
أهرب، وأعود، وأحاول الصمود
لكن الشغف يسيطر، ولا أستطيع الفرار
أغازلك، وأهرب، وأعود إلى نفسي
قلبي محطم، لكنه ينبض لك
وأنا لا أريد أن أموت مرة ثانية في الحب

ضحكت: “أراك تهرب وتغازل في الوقت نفسه.”
قلت: “هذا ما يفعله الرجل المحطم.”
الجولة السادسة
قالت:
حسنًا، هذه الجولة الأخيرة
مهما حاولت، لن تهرب مني
قلبي ملكك، وخوفك جزء منه
أنت تعرف أن الحب أكبر من كل جراحك
كل نظرة، كل همسة، كل كلمة
هي دعوة للوقوع بلا مقاومة
هل ستستسلم؟ أم ستظل تهرب؟
قلبي لن يتركك تفعل ذلك
قلت:
أعرف… وأخاف، لكنني أحبك
كل خوف وكل ألم أصبح جزءًا من شغفي
أهرب، أهرب، وأعود، وأغرق في عينيك
قلبي محطم، لكنك تجعلينه ينبض من جديد
أغازلك، وأهرب، وأعود، وأحبك بلا توقف
هذا ما يفعله الرجل المكسور عندما يجد الحب
أعرف أني سأستسلم في النهاية
لكنني أريد أن أهرب، حتى آخر لحظة
الحوار:
ابتسمت: “أخيرًا… هل تعلم ماذا فعلت بي؟”
قلت: “أنا؟ أم أنت؟ يبدو أن قلبي قد انتصر وأيضًا انهزم.”

ثم جاء الطبيب، ووجهه هادئ وعيناه تحملان مزيجًا من الحزم والاطمئنان، وقال بصوت واثق:
— “حالتك مستقرة بعد العملية… لكن يجب أن تبقى هنا في المشفى بضعة أيام، لنراقب تعافيك عن كثب.”
سمعتُ الكلمات تتدفق في أذنيّ، لكن شيئًا آخر جذب انتباهي…
كانت هي، الممرضة، تقف عند
 طرف السرير، تراقبني بصمت، كأنها تسمع كل ما يقال دون أن تتدخل، وعيونها تلمع بفضول وحذر.
ثم، فجأة، اقتربت مني، وابتسامة واسعة ترتسم على وجهها، وعيناها تنطقان فرحًا خفيًا…
كانت فرحة مختلطة بمغازلة خفية، وكأن كل نبضة في قلبي المنهك هي دعوة لها للمرح، لكل همسة، لكل نظرة.
تنفستُ بصعوبة، وأنا أحاول أن أتنقل بين شعورَي الامتنان والخوف، بين الفرح والخجل، وبين الرغبة في الهرب كما اعتدت دائمًا…
ابتسمت وقالت، بصوت كأنه يهمس في قلبي:
— “إذا بقيت هنا بضعة أيام، فسأكون رفيقة لك في كل لحظة… أعدك بأنني سأجعلك تبتسم، رغم كل خوفك.”
هكذا شعرتُ بالدوامة… بين الألم والراحة، بين الهروب والرغبة، بين قلبي المحطم وشغف لم يعرف طريقه إلى الخلاص بعد…

حقوق النشر محفوظة © بقلم الشاعر الأمي شرف الدين
#الجميع #everyone #everyonefollowers #

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الشاعر المبدع / د . الشريف حسن ذياب الخطيب

بقلم الأديب المبدع / السيد صاري جلال الدين

بقلم الشاعر المبدع / محمد راتب البطاينة