بقلم الأديب المبدع / د . علوي القاضي

(2)العقل من منظور إسلامي(2)
     (العقل والنقل والقلب)
دراسة وتحقيق : د/علوي القاضي.
... كل العلماء ، والفلاسفة ، والمفكرين ، والأدباء ، تكلموا عن العقل ، لذلك يجب أن تقرأوا لـ (إبن سينا وإبن خلدون وإبن رشد والفارابى والإمام الغزالى ومصطفى محمود والإمام الشافعى وغيرهم) ، وتعلموا منهم الفلسفة ، وتعلموا منهم كيف تفكرون بضوابط التفكير السليم 
... في كثير من المواقف والقضايا يجب أن نسأل أنفسنا (الحكم لمن (العقل) أم (القلب) ؟!) ، صدق الله تَعالى إذ يقول ، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) ، وَقيلَ لـ (إبنِ عَباس) ، بِماذا نلتَ العلمِ ؟! ، قالَ (بِلسانِ سَؤول وَقلبِ عَقول) 
... خَلق الله الإنسَان وَميزهُ بـ (العَقل) ، الذي به يُدرك مُحدثات وحَقائق الأشيَاء ، وَأكرَمهُ بَأن جَعلهُ عَاقلاً ومفكّراً ، فـ (العقلُ) هوَ القُوة التي تُساعدهُ عَلى إستنباطِ التَرابطَات وَحلّ المُشكلات بِصورة عَقلانيّة ، وَأنعمَ عَليه بـ (قَلب) ينبضُ بين ضُلوعه ، ليقيمَ شَعائر الحَياة
... وقد جَعل الله محَل (العَقل) في (القَلب) ، وهَذا يُدلل أنَّ (القَلب) هُو مَحل الإدرَاك والتَمييز ، وأنَّ بصَلاحه يَصلح البَدن ، ويُصحصح الحَقَّ ويَظهر ، وبِسَوادها يظلمُ الإنسَان وَيجهَل ، لذلك فإن التَفضيلُ بينَ إختيارات (العَقل والقَلب) ، قد يكونُ مُتعذراً في كَثير منَ الأحيَان ، وبالذات إذا كَانت المَواقف تَستدعي إفتاءً في التوّ واللَحظة ، فقد يَكون هُناك أشخَاص نِظامهم الفِكريّ يَطفحُ عَلى نِظامهم العَاطفيّ ، وَآخرينَ نظامهم العَاطفي يَطفح عَلى الفكري ، وَهذا هُو جَوهر الفِرق بين (الفِكريينَ) و (العَاطفيينَ) ، إلا أن هُناك تَداخل كَبير في أعمَال (القَلب) و (العَقل) ، وإن كانَ التَفاوت كبير بينهُما ، فكلّ منهمَا يكمّل الآخَر ، فـ (العَقل) يختارُ ويُدرك المَوقف ، فهو مَناط التَكليف ، ثمّ يُقدم الدَليل ، فَيستفتي (القَلب) ، فيَقوم القَلب بالنظَر إليهَ من زاويتهِ الخَاصّة ، ثمّ بَعد ذلكَ تَصدر الأحكَام قولاً وفعلاً
... إنّ أسلوبَ الجَمع التناغُمي والإنسجَام بينَ العَقل والقَلب ، وقِيام القَلب والعَقل بتأديةِ وَظائفهما مَعاً في آن واحِد ، وَعدمِ الإستِسلامِ لأحدهمَا بطابِع الأنَانية ، والإنجرَاف لأهواءٍ ذَاتية مُفتقرة الرُوح الإنسانيّة ، يَجعل من حياتنا صُورة مُتكاملة بطريقةٍ مُتوازنة ، ويَضمنُ لنا السَير نَحو الطَريق السَديد بَعيداً عَن المُؤثرات الخَارجية ، لَقد عُني الإسلامُ في بناءِ المُوازنة في الحَياة بينَ العَقل والقَلب ، وقَد ظهرَ ذلكَ في وَصف الله تَباركك وتعالى المُؤمنين في معظم ٱيات القرٱن الكريم
... وفى المنهج الإسلامي أوامر لك ، أن تعش حرا أبيا وتخرج من الإطار الذي وضعك فيه الإعلام والمجتمع ، فلديك نعمة العقل وهو مناط التكليف ، حكم عقلك فيما ترى وتسمع ، ولا تكن إمعة 
... الدين الإسْلامُي يحرصُ على العَقلِ ، ويحافظ على سَلامَتِه مِن كُلِّ مَا يُؤثِّرُ عليه وعلى عَمَلِه سَلباً لأنَّه منَاطَ التَّكْلِيف بخِلَافِ غَيرهِ من الشرائع والمذَاهبِ الوضعيّة ، فإنَّها تَهابُ العَقْلَ ، وتُعادِيه ، لأنَّ مصلحَتَها تَكْمُنُ في غَفْلةِ العَقْلِ ، ومَرَضِه ، لِذَا تَراهُم يُسَلِّطُون عليه المسْكِرَاتِ ، والمخدّرَاتِ ،  وكلَّ مَايَمنَعُ العَقْلَ مِن أن يَعمَلَ عَمَلَهُ الصَّحِيح !
... ولأن العقل في الشريعة الإسلامية هو مناط التكليف ومصدر الإرادة تحت قاعدة (إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب) ، فبالعقل يمتاز الإنسان عن الحيوان ، ولذلك فالحيوان لايتحمل مسؤولية ولايكلف بأي عمل يتطلب إستخدام العقل
... وحفاظا على العقل حرم الإسلام كل مسكر ومفتر ، قال صل الله عليه وسلم :
(كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ ......) ، هذا الحديث أصل في تحريم كل مسكر ، فالمسكرات كلها محرمة ، وعلة تحريمها الإسكار وتغييب العقل ، الذي هو مناط التكليف ، إذ هو أحد (المقاصد الشرعية) التي أحاطها الشارع بسياجات منيعة من الحفظ والصيانة ، وقال صل الله عليه وسلم (كلُّ مُسكرٍ حرامٌ ، و إنَّ على اللهِ لَعهدًا لمن شرب المسكرَ أن يَسقِيَه من طينةِ الخَبالِ ، عَرَقُ أهلِ النَّارِ) ، وعرق أهل النار هو مايسيل منهم من قيح وصديد وجلود ذائبة
... تحياتي ...


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بقلم الشاعر المبدع / عبده عبد الله الإدريسي

بقلم الأديب المبدع / السيد صاري جلال الدين

بقلم الشاعر المبدع / د . الشريف حسن ذياب الخطيب