بقلم الشاعر والأديب المبدع / عماد سالم أبو العطا
رمضان بين الركام
أتى رمضان .. لكن أين البيوت التي كانت تتزين لاستقباله؟
أين الأزقة التي كانت تمتلئ برائحة الخُبز وأصوات الأطفال وهم يركضون بفوانيسهُم المُضيئة؟
أين الموائد التي كانت تجتمع حولها العائلات تتقاسم الخُبز والفرح؟
كُل شيء بات ذكرى في ذاكرة مدينة أكلها الخراب وسرق منها الحرب دفء الأيام
كانوا في الماضي يتهيأون لهذا الشهر الفضيل بفرح غامر
تتسابق الأيدي في الأسواق لشراء ما يلزم
وكانت المآذن تُنادي بحلول الرحمة وموائد الإفطار تمتد عامرة تجمع الأحباب تحت سقف واحد
أما اليوم فلا سقف يحميهم ولا سوق يُلبي حاجاتهم
ولا حتى لُقمة تملأ بطون صغارهم
في المخيمات يجلس الأطفال حول أمهم ... يسألونها عن الطعام فتمسح على رؤوسهم وتقول غداً يرزقنا الله لكن الغد يأتي كما الأمس
بلا خبز بلا تمر بلا فرحة
الآباء يُطيلون النظر إلى السماء يدعون بصمت مخنوق
يطلبون رحمة تُنقذهم من هذا العجز من هذا الألم الذي يطعن أرواحهم كل يوم
لكن رغم القهر يبقى الدُعاء سلاحهم وتبقى قلوبهم عامرة بالإيمان ... فهم يعرفون أن بعد هذا الليل الطويل لا بد أن يشرق صبح جديد يحمل لهم بعضًا من الحياة
وبعضاً من الكرامة وبعضاً من الوطن المفقود
رمضان هنا ليس كما كان... لا أذان يملأ الشوارع
لا زينة تُعلق على الجدران ولا موائد تُمد بالخير ولا فرحة تسكُن القلوب
هنا رمضان بين الركام بين الخيام الباردة
بين الجوع والخوف وبين الذكريات الثقيلة وبين انتظار الفرج الذي طال
أي عيد هذا الذى ينتظرهم وهم بلا مأوى .. بلا قوت .. بلا وطن يحتضن وجعهم؟
لكن من بين الركام ومن تحت الأنقاض ومن قلب هذا الظلام الممتد
هُناك ضوء لا ينطفئ... هُناك قلوب لا تزال تنبض
وعيون لم تفقد الأمل وأيدى ترتفع إلى السماء
واثقة بأن الله لا يخذل عباده
قد تسقط البيوت وقد تُمزق الحروب الأحلام
لكن الإيمان لا ينهار والحق لا يموت والوطن المنكوب لا بُد أن ينهض من جديد
سيأتي رمضان القادم وستُضاء البيوت التي اظلمتها الحرب
وسيفطر الصائمون على موائد مُمتدة بالحب
وسيركض الأطفال بفوانيسهم المضيئة وسينبُت الأمل من تحت هذا الرُكام كما ينبُت الورد بعد العاصفة
عماد سالم أبوالعطا
تعليقات